درس المجتمع
تمهيد : يعرف " لالاند " La landeالمجتمع La société في معجمه الفلسفي بأنه " عبارة عن مجموعة من الأفراد الذين توجد بينهم علاقات منظمة و مصالح متبادلة ". من هذا التعريف للمجتمع يتضح أن العلاقة القائمة بين أفراد المجتمع هي علاقات منظمة يلتزم بها الأفراد، و هذه الأخيرة تختلف عن العلاقات العابرة التي قد تنشا عن تجمع طارئ لمجموعة من الأفراد قرب مكان به ماء مثلا ...إن هذا التجمع لن يؤدي إلى قيام مجتمع مادام كل فرد من الجماعة يقوم على انفراد بإشباع حاجته ، ولكن عندما يقوم الأفراد الآخرون في هذا التجمع بمساعدة الفرد العطشان، عندئذ يتوفر شرط أساسي لقيام مجتمع حقيقي هو وجود شبكة من العلاقات المتبادلة بين الأفراد مبنية على أساس تبادل التأثير و التأثر، إذن :
على أي أساس يقوم الاجتماع البشري؟ هل يرتبط بوازع طبيعي فطري، أم يقترن بإرادة الانسان في التساكن مع أخيه الانسان في ظل تعاقدات و مواثيق؟
ما دلالة الفرد؟ و ما علاقته بالمجتمع؟ هل يمكن تصور مجتمع بدون أفراد؟ هل يمكن لوجود الفرد أن يكتمل خارج المجتمع؟
هل للمجتمع سلطة على أفراده؟ هل يقبل الفرد الخضوع التام لسلطة المجتمع؟ ألا يكون للفرد دور تأثير على المجتمع؟
المحور الأول : أساس الاجتماع البشري :
تحليل نص " المجتمع تعاقد " لجان جاك روسو "
* إشكالية النص:
يحاول النص أن يجيب على الاشكالات التالية:
ما هو أساس الاجتماع البشري؟ هل هو افاقي تعاقدي أم ضروري طبيعي؟ كيف ينتقل الانىسان من الحالة الطبيعية إلى الحالة المدنية؟.
* أفكار النص:
ـ في حالة المجتمع يكتسب الانسان العدل و الأدب الذي كان يعوزه من قبل، كما يخضع لصوت الواجب و الحق، ويسير على مبادئ أخرى كاستشارة العقل، حيث تتسع أفكار الفرد و تنبل عواطفه و تسمو، إضافة إلى اكتسابه الحرية المدنية بدل الحرية الطبيعية.
مميزات حالة الطبيعة | مميزات حالة المجتمع |
الوهم الفطري | العدل ( القوانين ) |
الغريزة | امتلاك الادب ( الأخلاق ) |
فقدان الادب و الاخلاق | صوت الواجب |
المحرك الجسماني | المسؤولية ( العقد الاجتماعي ) |
الشهوة | الحق |
المصلحة الفردانية | مصلحة الجماعة |
البلادة ، محدودية الفهم | المبادئ العقلانية |
شراسة الطبع | الذكاء |
خشونة العواطف | سمو النفس و نمو العواطف |
الحرية الطبيعية | الحرية المدنية |
ـ إن العقد الاجتماعي بمنظور " روسو " هو انتقال المجتمع من حالة و حياة الفوضى و التشتت إلى حالة و حياة النظام انطلاقا من تعاقدات و مواثيق تربط بين مختف الشرائح الاجتماعية من أجل تحقيق الاستقرار و الأمن و التطور,
* أطروحة النص :
يعتبر " جان جاك روسو " أن أساس الاجتماع البشري هو اتفاق و تعاقد بين إرادات أفراد يخلق إرادة عامة تتجلى في العقد الاجتماعي الذي اعتمده " روسو " لتحليل انتقال الانسان من حالة الطبيعة إلى حالة المدنية ( المجتمع ).
* البنية الحجاجية:
يقدم النص أطروحته حول أساس التجمع البشري بتوظيفه لآليات حجاجية تعتمد التأكيد و الإثبات، بحيث أكد على أن الأساس الذي يقوم عليه الاجتماع البشري هو الاتفاق و التعاقد، كما اعتمد على عنصر المقارنة من ناحية بحيث قارن بين حالة الطبيعة و حالة المجتمع، و عنصر الوصف من ناحية أخرى، بحيث وصف حياة الانسان التي ميزت حالة الطبيعة بالحرية المطلقة المشتركة مع الحيوان، و انتقالها إلى حرية مدنية ميزت حالة المجتمع. و يعتمد النص من ناحية ثالثة على الاستنتاج الاستقرائي بحيث توصل إلى أن ما يفقده الانسان بالعقد الاجتماعي هو الحرية الطبيعية بينما ما يكسبه هو الحرية المدنية.
المناقشة :
أرجع فلاسفة العقد الاجتماعي أمثال الفيلسوف الفرنسي " جان جاك روسو " و الفيلسوف الانجليزي " طوماس هوبز " نشأة المجتمع و نشأة السلطة إلى نوع من التعاقد الصريح بين أفراد المجتمع، ففي كتابه " التنين " يؤكد " هوبز " بأنه لم يكن بوسع الناس أن يخرجوا من دائرة العنف الطبيعي الذي كان فيه الانسان ذئبا لأخيه الانسان إلا بالتنازل عن حريتهم المطلقة و أهوائهم الطبيعية و الاتفاق بالمقابل على سلطة قانونية تمثل حاصل إرادتهم بحيث كان كل امرئ يخاطب غيره بقوله " إنني قد تنازلت لك عن حقي في أن أسير شؤوني بنفسي شرط أن تتنازل مثلي عن حقك و أن تقبل كل فعل صادر عن هذا الرجل أو عن هذا المجلس" و هكذا أصبحت نظرية التعاقد مثل مقولة " السيادة للشعب " و أضحت الأولوية التي أعطيت للقانون و المساواة في الحقوق و الواجبات هي جوهر التصور الحديث للمجتمع.
و على العكس من هذا يرى المفكر و المؤرخ العربي " عبد الرحمان بن خلدون " أن الاجتماع ضروري للنوع البشري، و هو يكون بالفطرة و الطبيعة و ليس بالاتفاق و التعاقد، لأن ىالانسان اجتماعي بالطبع، و لتأكيد تصوره هذا يستشهد بالعبارة المشهورة للفيلسوف اليوناني " أريسطو " القائلة: " الانسان مدني بالطبع " و معناها أن التجمعات البشرية هي تحقيق لطبيعة الانسان و اكتمال لماهيته، و هو الأمر الذي حاول ابن خلدون تأكيده من خلال إبرازه أولا للكيفية التي خلق الله بها الإنسان، و إشارته ثانيا إلى أن هذا الإنسان يظل عاجزا بمفرده عن تحقيق متطلباته و حاجياته ما لم يتجاوز هذا العجز بالتعاون مع بني جنسه .
المحور الثاني : الفرد و المجتمع
تحليل نص الفرد و المجتمع وجهان لعملة واحدة لصاحبه " ن. إلياس"
* إشكالية النص
ما علاقة الفرد بالمجتمع؟ هل يشكلين جوهرين متمايزين أم هما وجهين لعملة واحدة؟ ما طبيعة العلاقة القائمة بين الفرد و المجتمع؟
الموقف الثاني: كل شيئ يرجع للمجتمع |
الموقف الأول: كل شيئ يرجع للفرد |
≠
* أطروحة النص:
يرى " نوربت إلياس " أنه لا يمكن الفصل بين الفرد و المجتمع، فلا يوجد مجتمع بدون أفراد، و ليس الفرد شيئا بدون مجتمع، فهما وجهان لبنية واحدة، كما أن العلاقة بينهما هي علاقة تأثير و تأثر، بحيث أن المجتمع يمارس مفعوله في تكوين شخصية الفرد الذي من شأنه أن يكون فاعلا و ليس مجرد مفعول به.
* البنية الحجاجية :
دعم صاحب النص أطروحته باعتماد تقنيات : الحوار من أجل إعلاء وجهة نظره، و تفنيد الآراء الأخرى، بالإضافة إلى التمثيل المتجلي في وصف الفرد و المجتمع بوجهي العملة الواحدة، علاوة على عنصر الاستقراء الذي يصل من خلاله إلى أن المجتمع متضمن في كل ضمير متكلم فردي أو جماعي.
المناقشة :
في سياق تحليله للعلاقة القائمة بين الفرد و المجتمع، يؤكد عالم الاجتماع الانجليزي " أنتوني غيدنز " على الطرح الذي قدمه " إلياس " و يتكامل معه من خلال تبيانه كيف أن المجتمع يساهم بواسطة عملية التنشئة الإجتماعية في تعليم الفرد ثقافة و قيم مجتمعه، و هذه التنشئة متوارثة يتم انتقالها من جيل لآخر، و يميز " غيدنز " في هذه التنشئة بين تنشئة اجتماعية أولية تكون في مرحلتي الرضاعة و الطفولة و تتم في مؤسسة الأسرة، و يتعلم فيها الأطفال اللغة و أنماط السلوك الأساسية... ثم التنشئة الثانوية اللاحقة على الطفولة و المستمرة حتى سن البلوغ، و تتدخل فيها مؤسسات أخرى كالمدرسة و جماعة الرفاق، ووسائل الإتصال و غيرها من القنوات التي تسهم في تعليم الفرد منظومات القيم و المعايير و المعتقدات التي تشكل الأنماط و العناصر الأساسية في الثقافة، و التي تؤكد كذلك على الارتباط الوثيق بين الفرد و المجتمع.
المحور الثالث : سلطة المجتمع
تحليل نص المجتمع و القهر لصاحبه " ألكسيس دو طوكفيل "
* إشكالية النص :
هل للمجتمع سلطة على الأفراد؟ كيف يمارس المجتمع سلطته على الأفراد؟
* أفكار النص :
ـ يعجز " دو طوكفيل " عن تحديد مفهوم القهر الذي يهدد المجتمعات الحديثة باعتباره ضيقا يعوض الإستبداد و الإضطهاد.
ـ يرى صاحب النص أن السلطة القاهرة المطبقة على الأفراد حولتهم إلى كائنات غريبة بدون إحساس، لا تهتم بالآخرين، و لا تفكر إلا بذاتها.
ـ يعتبر " ألكسيس " بأن تلك السلطة الجبارة هي سلطة مطلقة لينة و منظمة، لكنه يستنكر الدور الذي تقوم به، فرغم أنها تحقق الاستمتاع للأفراد إلا أنها غير قادرة على رفع قلق التفكير و شقاء العيش عنهم.
* أطروحة النص:
يرى " دو طوكفيل " في المجتمع تلك السلطة الجبارة القاصرة و المطلقة التي حولت المواطنين إلى مجرد كائنات معزولة بدون إحساس بالغير، لا تعي قضاياها و مصيرها المشترك، و في ذلك قهر للأفراد أكثر مما هو استبداد و اضطهاد لهم.
* البنية الحجاجية:
اعتمد النص على بنية حجاجية استدلالية قائمة على التفسير و الإثبات بحيث يثبت تصوره بتفسيره لآليات سلطة المجتمع على الأفراد، كما اعتمد على الوصف بحيث نجده يقدم وصفا لتلك السلطة من ناحية، ووصفا لمجال الأفراد داخلها من ناحية أخرى، كما يوظف النص كذلك حجة التعريف من خلال محاولة تحديده لمفهوم القهر الذي تتصف به السلطة المجتمعية الحديثة.
المناقشة:
علاقة بالإشكال المطروح علاقة السلطة بالمجتمع نجد مؤسس التحليل النفسي " سيغموند فرويد " يؤكد على أن الكائن الانساني يخضع لقهر خارجي يمارسه خلال عملية التنشئة الاجماعية و الثقافية المجتمع باعتباره أنا أعلى يهدف إلى خلق سلوكات جيدة و خيرة لدى الفرد، لكن المجتمع من خلال هذه العملية القمعية التسلطية يجبر الكائن على الاغتراب، و من ثمة ظهور تشوهات ذات حمولة سيكولوجية في شخصيته، و في سياق متصل يؤكد " إيميل دركهايم "على نفس الطرح حينما يعتبر بأن الفرد لا يلزم نفسه بالظواهر الاجتماعية التي يتلقاها، بل الذي يلزمه بها هو المجتمع عن طريق التربية و التنشئة الاجتماعية، و الدليل على ذلك هو أن هذه العملية القهرية التي يباشرها المجتمع تؤكد وجودها بقوة كلما حاول الفرد مقاومتها، فكلما حاول الانسان رفض الظواهر الاجتماعية كلما ألزمه المجتمع بها، و الأمر يتضح مثلا حينما يرفض الانسان تقليدا أو قاعدة اجتماعية حيث ينتقد و يتعرض للتهميش و المضايقة، إن المجتمع بهذا المعنى قيمة متعالية تمارس ضغطها على الأفراد و على ضمائرهم و ما تحتويه من أوامر و نواهي، و هذا ما هو إلا انعكاس للضمير الجمعي المهيمن على كل فرد في المجتمع.
من ناحية أخرى يرى " جون لوك " أنه لا يمكن للمجتمع أن يصبح سلطة إلا إذا كانت هذه السلطة صادرة عن إرادة الأفراد و ذلك من خلال تأسيسه لهيأة أو حكومة متفق عليها تعبر عن رغبة الأكثرية، هذا في حين يعتبر " ماكس فيبر " أن السلطة ما هي سوى ممارسة للعنف و لكنه عنف منظم بناء على قوانين و تشريعات، فالنهب و السرقة ... طرق معروفة للكسب، إلا أنها غير مشروعة، لذا جاء التنظيم السياسي القائم على السلطة الاجتماعية من أجل عقلنة الفعل الانساني انطلاقا من سلطة عقلانية قائمة على الاعتقاد بقواعد و معايير موضوعية،
للسلطة إذن جانب شيطاني يتعين ضبطه و مراقبته، لكن ربما لها وجهها الآخر الإيجابي الذي يمكن أن يؤدي دور التوفيق و تحقيق الاستقرار على الرغم من كل الصراعات و الاضطرابات التي قد يشهدها المجتمع.
استنتاج عـــــام:
هكذا إذن حاول مفهوم المجتمع أن يتناول الإنسان في بعده العلائقي، حيث تنتظم حياته في تجمع بين أفراد تربطهم علاقات قائمة على الاتفاق و التعاقد أحيانا، وعلى الضرورة و التعاون أحيانا أخرى، و هي علاقات تضبطها مؤسسات و تؤمنها قواعد تجسد سلطة المجتمع على الفرد رغم ما قد يعتري هذه السلطة من تسلط أو لين.
موقف إلياس : لا يمكن الفصل بين الفرد و المجتمع فهنالك علاقة تلازم و تكامل بينهما |
تشبيه نوربت إلياس الفرد بقطعة نقدية مطبوعة و في نفس الوقت بالآلة الطابعة |
تأكيد إلياس على أن المجتمع متضمن في كل ضمير متكلم فردي أو جماعي |
* أطروحة النص:
يرى " نوربت إلياس " أنه لا يمكن الفصل بين الفرد و المجتمع، فلا يوجد مجتمع بدون أفراد، و ليس الفرد شيئا بدون مجتمع، فهما وجهان لبنية واحدة، كما أن العلاقة بينهما هي علاقة تأثير و تأثر، بحيث أن المجتمع يمارس مفعوله في تكوين شخصية الفرد الذي من شأنه أن يكون فاعلا و ليس مجرد مفعول به.
* البنية الحجاجية :
دعم صاحب النص أطروحته باعتماد تقنيات : الحوار من أجل إعلاء وجهة نظره، و تفنيد الآراء الأخرى، بالإضافة إلى التمثيل المتجلي في وصف الفرد و المجتمع بوجهي العملة الواحدة، علاوة على عنصر الاستقراء الذي يصل من خلاله إلى أن المجتمع متضمن في كل ضمير متكلم فردي أو جماعي.
المناقشة :
في سياق تحليله للعلاقة القائمة بين الفرد و المجتمع، يؤكد عالم الاجتماع الانجليزي " أنتوني غيدنز " على الطرح الذي قدمه " إلياس " و يتكامل معه من خلال تبيانه كيف أن المجتمع يساهم بواسطة عملية التنشئة الإجتماعية في تعليم الفرد ثقافة و قيم مجتمعه، و هذه التنشئة متوارثة يتم انتقالها من جيل لآخر، و يميز " غيدنز " في هذه التنشئة بين تنشئة اجتماعية أولية تكون في مرحلتي الرضاعة و الطفولة و تتم في مؤسسة الأسرة، و يتعلم فيها الأطفال اللغة و أنماط السلوك الأساسية... ثم التنشئة الثانوية اللاحقة على الطفولة و المستمرة حتى سن البلوغ، و تتدخل فيها مؤسسات أخرى كالمدرسة و جماعة الرفاق، ووسائل الإتصال و غيرها من القنوات التي تسهم في تعليم الفرد منظومات القيم و المعايير و المعتقدات التي تشكل الأنماط و العناصر الأساسية في الثقافة، و التي تؤكد كذلك على الارتباط الوثيق بين الفرد و المجتمع.
المحور الثالث : سلطة المجتمع
تحليل نص المجتمع و القهر لصاحبه " ألكسيس دو طوكفيل "
* إشكالية النص :
هل للمجتمع سلطة على الأفراد؟ كيف يمارس المجتمع سلطته على الأفراد؟
* أفكار النص :
ـ يعجز " دو طوكفيل " عن تحديد مفهوم القهر الذي يهدد المجتمعات الحديثة باعتباره ضيقا يعوض الإستبداد و الإضطهاد.
ـ يرى صاحب النص أن السلطة القاهرة المطبقة على الأفراد حولتهم إلى كائنات غريبة بدون إحساس، لا تهتم بالآخرين، و لا تفكر إلا بذاتها.
ـ يعتبر " ألكسيس " بأن تلك السلطة الجبارة هي سلطة مطلقة لينة و منظمة، لكنه يستنكر الدور الذي تقوم به، فرغم أنها تحقق الاستمتاع للأفراد إلا أنها غير قادرة على رفع قلق التفكير و شقاء العيش عنهم.
* أطروحة النص:
يرى " دو طوكفيل " في المجتمع تلك السلطة الجبارة القاصرة و المطلقة التي حولت المواطنين إلى مجرد كائنات معزولة بدون إحساس بالغير، لا تعي قضاياها و مصيرها المشترك، و في ذلك قهر للأفراد أكثر مما هو استبداد و اضطهاد لهم.
* البنية الحجاجية:
اعتمد النص على بنية حجاجية استدلالية قائمة على التفسير و الإثبات بحيث يثبت تصوره بتفسيره لآليات سلطة المجتمع على الأفراد، كما اعتمد على الوصف بحيث نجده يقدم وصفا لتلك السلطة من ناحية، ووصفا لمجال الأفراد داخلها من ناحية أخرى، كما يوظف النص كذلك حجة التعريف من خلال محاولة تحديده لمفهوم القهر الذي تتصف به السلطة المجتمعية الحديثة.
المناقشة:
علاقة بالإشكال المطروح علاقة السلطة بالمجتمع نجد مؤسس التحليل النفسي " سيغموند فرويد " يؤكد على أن الكائن الانساني يخضع لقهر خارجي يمارسه خلال عملية التنشئة الاجماعية و الثقافية المجتمع باعتباره أنا أعلى يهدف إلى خلق سلوكات جيدة و خيرة لدى الفرد، لكن المجتمع من خلال هذه العملية القمعية التسلطية يجبر الكائن على الاغتراب، و من ثمة ظهور تشوهات ذات حمولة سيكولوجية في شخصيته، و في سياق متصل يؤكد " إيميل دركهايم "على نفس الطرح حينما يعتبر بأن الفرد لا يلزم نفسه بالظواهر الاجتماعية التي يتلقاها، بل الذي يلزمه بها هو المجتمع عن طريق التربية و التنشئة الاجتماعية، و الدليل على ذلك هو أن هذه العملية القهرية التي يباشرها المجتمع تؤكد وجودها بقوة كلما حاول الفرد مقاومتها، فكلما حاول الانسان رفض الظواهر الاجتماعية كلما ألزمه المجتمع بها، و الأمر يتضح مثلا حينما يرفض الانسان تقليدا أو قاعدة اجتماعية حيث ينتقد و يتعرض للتهميش و المضايقة، إن المجتمع بهذا المعنى قيمة متعالية تمارس ضغطها على الأفراد و على ضمائرهم و ما تحتويه من أوامر و نواهي، و هذا ما هو إلا انعكاس للضمير الجمعي المهيمن على كل فرد في المجتمع.
من ناحية أخرى يرى " جون لوك " أنه لا يمكن للمجتمع أن يصبح سلطة إلا إذا كانت هذه السلطة صادرة عن إرادة الأفراد و ذلك من خلال تأسيسه لهيأة أو حكومة متفق عليها تعبر عن رغبة الأكثرية، هذا في حين يعتبر " ماكس فيبر " أن السلطة ما هي سوى ممارسة للعنف و لكنه عنف منظم بناء على قوانين و تشريعات، فالنهب و السرقة ... طرق معروفة للكسب، إلا أنها غير مشروعة، لذا جاء التنظيم السياسي القائم على السلطة الاجتماعية من أجل عقلنة الفعل الانساني انطلاقا من سلطة عقلانية قائمة على الاعتقاد بقواعد و معايير موضوعية،
للسلطة إذن جانب شيطاني يتعين ضبطه و مراقبته، لكن ربما لها وجهها الآخر الإيجابي الذي يمكن أن يؤدي دور التوفيق و تحقيق الاستقرار على الرغم من كل الصراعات و الاضطرابات التي قد يشهدها المجتمع.
استنتاج عـــــام:
هكذا إذن حاول مفهوم المجتمع أن يتناول الإنسان في بعده العلائقي، حيث تنتظم حياته في تجمع بين أفراد تربطهم علاقات قائمة على الاتفاق و التعاقد أحيانا، وعلى الضرورة و التعاون أحيانا أخرى، و هي علاقات تضبطها مؤسسات و تؤمنها قواعد تجسد سلطة المجتمع على الفرد رغم ما قد يعتري هذه السلطة من تسلط أو لين.